السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصلاة و السلام على اشرف الخلق سيدنا محمد و على آله و صحبه اجمعين و على من تبعه بأحسان الى يوم الدين
عن أبي سعيد الخدري قال: خطب النبي فقال: ((إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله))، فبكى أبو بكر، فقلت في نفسي: ما يبكي هذا الشيخ إن يكن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله؟ فكان رسول الله هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا، قال: ((يا أبا بكر لا تبك، إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر)).
كانت هذه الخطبة قبل أن يموت النبي بخمس، وهذا يدفعنا إلى محاولة الوقوف على حقيقة هذه الأيام الأخيرة من حياته ، فنقول وبالله التوفيق: خرج رسول الله في السنة العاشرة من الهجرة للحج، وفي هذه الحجة استشعرت النفوس قرب أجله ، وذلك لما نزل عليه فيها من القرآن الكريم، فقد نزل عليه بعرفة قول الله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [المائدة:3].
فلما تلاها على أصحابه بكى عمر ، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان.
وقد أشار إلى هذا الذي فهمه عمر فقال وقد وقف عند جمرة العقبة: ((خذوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد حجتي هذه)). وفي أوسط أيام التشريق نزلت عليه سورة النصر، فنعى نفسه إلى فاطمة ابنته: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت النصر دعا النبي فاطمة فقال: ((نعيت إلى نفسي))، فبكت.
فقال: ((لا تبكي فإنك أول أهلي لحاقاً بي)) فضحكت، فرآها بعض أزواج النبي فقلن: يا فاطمة! رأيناك بكيت ثم ضحكت؟ قالت: إنه أخبرني أنه نعيت إليه نفسه فبكيت، فقال لي: لا تبكي فإنك أول أهلي لحاقاً بي فضحكت.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من حيث علمتم، فدعاني ذات يوم فأدخلني معهم، وما رأيت أنه أدخلني معهم إلا ليريهم. فقال: ما تقولون في قوله تعالى: إذا جاء نصر الله والفتح – السورة – فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا. فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله أعلم به؟ قال: إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا وذلك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا .
فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول، وهكذا استشعرت النفوس قرب أجله في حجة الوداع، ثم رجع إلى المدينة في ذي الحجة فأقام بها بقيته والمحرم وصفرا، وبعث بعثا إلى الشام وأمر عليهم أسامة بن زيد .
فبينا الناس على ذلك ابتدى بشكواه التي قبض فيها، لما أراده الله له من رحمته وكرامته في بضع ليال بقين من صفر، أو أول شهر ربيع الأول.
وكان أول ما ابتدى به صداع شديد يجده في رأسه، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((رجع رسول الله ذات يوم من جنازة من البقيع وأنا أجد صداعا، وأنا أقول: وارأساه!! فقال : بل أنا يا عائشة وارأساه. ثم قال: وما ضرّك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك وصلّيت عليك ودفنتك! قلت: لكأني بك والله لو فعلت ذلك فرجعت إلى بيتي فعرست فيه ببعض نسائك! فتبسم ، ثم بدئ في وجعه الذي مات فيه.
وكان يدور على نسائه، كلما أتى واحدة قال: أين أنا غدا؟ - يريد عائشة – حتى اشتد عليه وجعه، وغلبه على نفسه وهو في بيت ميمونة. فبينما هو كذلك لدّوه، فجعل يشير إليهم أن لا تلدّوني. فقالوا: كراهية المريض للدواء. فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن تلدّوني؟ قالوا: قلنا كراهية المريض للدواء. فقال: لا يبقى في البيت أحد إلا لدّ، إلا عمي العباس فإنه لم يشهدكم.
ثم استأذن نساءه أن يمرّض في بيت عائشة فأذنّ له. فخرج بين رجلين من أهل بيته حتى دخل بيت عائشة.
وكان يقول: ((يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم)).
وكان يخرج للصلاة فلما غلبه الوجع قال: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس. فقالت عائشة: إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل بالناس، فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل بالناس، ففعلت حفصة، فقال : مه! إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرا)).
قالت عائشة: لقد عاودت رسول الله في ذلك، وما حملني على معاودته إلا أني خشيت أن يتشاؤم الناس بأبي بكر، وإلا أني علمت أن لن يقوم مقامه أحد إلا تشاؤم الناس به، فأحببت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبي بكر إلى غيره.
فكان أبو بكر يصلي بالناس في حياته .
ثم إنه وجد من نفسه خفّة، فخرج يهادى بين رجلين، ورجلاه تخطّان في الأرض من الوجع. فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي أن مكانك. ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه، فكان يصلي، وأبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر.
ويوم الخميس اجتمعوا عنده وقد اشتد به وجعه، فقال: ((ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، فتنازعوا، وما ينبغي عند نبي تنازع، وقالوا: ما شأنه؟ أهجر؟ استفهموه! فقال : ((دعوني فالذي أنا فيه خير)).
ثم أراد أن يخرج للخطبة، فقال لأهله: ((أهريقوا علي من سبع قرّب لم تحل أوكيتها لعلي أعهد إلى الناس، قالت عائشة: فأجلسناه في مخضب لحفصة، ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب، حتى طفق يشير إلينا بيده: أن قد فعلتن)).
قالت: ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم.
عن أبي سعيد الخدري قال: خطب رسول الله الناس وقال: ((إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله. قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد خير، فكان رسول الله هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله : إن أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر)).
وعن جندب بن عبد الله قال: سمعت رسول الله قبل أن يموت بخمس وهو يقول: ((إني أبرأ إلى الله أن يكون لي خليل منكم، وإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك)).