سرايا - مع تطور العلم خلال القرون القليلة القادمة بشكل مذهل ومتسارع ، فان حقيقة وجود الله عز وجل قد أخذت تتجلى بشكل لم يعد أحد ينكر وجود خالق للكون ، فها هو ألبرت اينشتاين واضع (النظرية النسبية) أهم نظرية علمية في القرن العشرين وفي تاريخ البشرية كلها يقول في أحد مؤلفاته: (إن الإيمان بوجود خالق للكون هو بمثابة القوة الدافعة والمحركة للبحث العلمي) كما يقول العالم (ماكس بلانك) واضع نظرية الكم أو الكوانتوم: (إن أي عالم حقيقي في جميع فروع العلم لا يمكنه التغاضي عن الإيمان بوجود خالق للكون).
ونتيجة للبحث العلمي الجاد من قبل علماء الفلك في القرن العشرين ، وهو القرن الذي شهد تطورا مذهلا ومتسارعا في علم الفلك بشكل مذهل ، ففي هذا القرن تم ارتياد الفضاء وإطلاق المركبات الفضائية التي زارت معظم أعضاء المجموعة الشمسية ، وظهرت فيه نظريات علمية مرموقة عن الكون ونشوئه ، فقد أخذت صورة خالق الكون تثبت بشكل واضح ، ومن هذه الأمثلة اذكر قصة الفلكي الأمريكي هارلو شابلي الذي توصل إلى حقيقة وجود الله عز وجل من خلال دراسته العميقة للكون.
يقول شابلي في كتابه (الكون والإنسان): لقد أصبح من البديهي لدى الفلكيين الآن أن الكون يتكون من أربعة عناصر رئيسية ، هذه العناصر هي المادة والطاقة والزمان والمكان ، وأطلق شابلي على هذه العناصر لقب (جواهر) وتشكل هذه الجواهر أساس الكون كله ، فالإنسان مثلا يتكون من لحم وعظم وماء ، والكون أيضا يتكون من مادة وطاقة وزمان ومكان ، وبالطبع المادة تتحول إلى طاقة وكذلك الطاقة تتحول إلى مادة ، والزمان والمكان شيئان أساسيان في الكون لا ينفصل أحدهما عن الآخر فأينما يوجد المكان في الكون فيجب أن يوجد الزمان أيضا. ومادة الكون كلها سواء المجرات أو العناقيد المجرية والثقوب السوداء وأشباه النجوم كلها تشكلت من الجواهر الأربعة سابقة الذكر.
ثم يتساءل شابلي في كتابه متحديا في تساؤله هذا علماء الفلك: إذا أعطيتكم الجواهر الأربع الرئيسية التي يتشكل منها الكون وهي المادة والطاقة والزمان والمكان فهل تستطيعون أن تشكلوا منها كونا عامر بالنجوم والمجرات والثقوب السوداء مثل الكون الذي نعيش فيه؟
إن تساؤل شابلي هذا يقودنا إلى حقيقة لا يختلف عليها اثنان وهي أن هنالك قوة عظيمة هي التي تتحكم في هذه الجواهر الأربعة بحيث صنعت الكون الحالي ، وأكد شابلي أن هذه القوة العظيمة لا يمكن أن تكون شبيهة بالجواهر الأربعة ولو كانت كذلك لانتهى الكون منذ فترة طويلة من الزمن ، ووصف شابلي هذه القوة العظيمة بالقوة والعظمة والثبات أو الصمد indispensable والحياة الدائمة لأنها لو افترضنا أنها انتهت لانتهى الكون أيضا ، وأطلق شابلي على هذه القوة لقب (الجوهر الأسمى)،
ويتابع شابلي تأكيده على أن المقصود بالجوهر الأسمى هو الله عز وجل خالق الكون ، وبذلك يكون العلم الحديث قد توصل إلى حقيقة وجود الله عز وجل بالبراهين العلمية دون أن نراه ، لكن يطلب منا هذا العالم الكبير أن لا نتسرع في لفظ اسم الله عز وجل ، فهذه الكلمة لها مدلولات عظيمة تحتاج منا إلى أيقاظ الذهن وإشغال العقل في البحث عن حقيقة عظمة الله عز وجل،
إن العلم الحقيقي وتحديدا علم الفلك أو العلوم الطبيعية أو الجيولوجيا أو البيولوجيا لا يمكن إلا أن تقود الشخص إلى المعرفة بقدرة الخالق وحقيقة وجوده ، وللتأكيد على هذا الموضوع اذكر ما قاله ألبرت اينشتاين عن الخالق في سيرته: (إن أعظم وأجمل شعور يصدر عن النفس البشرية ، هو ما كان نتيجة التطلع والتفكر والتأمل في الكون وأبعاده وخفائه وظلامه ، إن الذي لا يتحرك شعوره وتتموج عاطفته نتيجة هذا التأمل لهو حي كميت. إن خفاء الكون وبعد أغواره وحالك ظلامه يخفي وراءه شيئا هو الحكمة احكم ما تكون والجمال أجمل ما يكون ، وهذه الحكمة وهذا الجمال لا تستطيع عقولنا القاصرة أن تدركهما إلا في صور بدائية أولية، وهذا الإدراك هو جوهر التعبد عند الخلائق ، إن ديني هو إعجابي في تواضع تلك الروح السامية التي لا حد لها ، وهو إيماني العاطفي العميق بوجود قدرة عاقلة مهيمنة تتراءى حيثما نظرنا في هذا الكون المعجز للإفهام ، إن هذا الإيمان يؤلف عندي معنى الله،،).
إن هذه الكلمات الجميلة من قبل علامة القرن العشرين يدل بكل وضوح انه لا يمكن للعالم الحقيقي إلا أن يستدل بعظمة الله تعالى ، وان العقل الإنساني مهما كان جبارا فانه يبقى ضعيفا أمام عظمة هذا الكون ، لذلك فلقد كان من الضروري أن يكون للعقل الإنساني ما يصوبه وهو القرآن الكريم.