الآباء خير الأصدقاء
• بينما كنت أقرأ في سيرة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم استوقفني بعض المواقف الرائعة له مع الأطفال في الأعمار الصغيرة وهي الأعمار ما بين العامين إلى سبعة الأعوام, من لعب معهم ومداعبتهم وغيرها من الأشياء المحببة لدى الأطفال في هذا العمر, ولا يخفى علينا مداعبته للحسن والحسين, ولقد كان صلى الله عليه وسلم يمازحهم ويشاركهم لعبهم:
فروى عن عبد الله بن الحارث قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبدالله وعبيد الله وكثير بن العباس ثم يقول: "من سبق إليّ فله كذا وكذا، قال: فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم".
بينما قرأت مواقف أخرى له مع الأطفال في الأعمار من التاسعة وحتى الثانية عشر تقريبا من تعليم وضبط لبعض التصرفات, ومثال على ذلك بداية تعليم الصلاة والضرب عليها حدثنا علي بن حجر أخبرنا حرملة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة الجهني عن عمه عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين واضربوه عليها ابن عشر". سنن الترمذي .
ومواقف أخرى في الأعمار الكبيرة وهي تتراوح على سبيل المثال من الخامسة عشر وحتى العشرين وكلها مواقف تدل على الصداقة والمرافقة ومنها موقف للرسول صلى الله علية وسلم مع عبد الله بن مسعود. عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله علية وسلم: اقرأ عليّ القران فقلت يا رسول الله أأقرأ عليك وعليك أنزل قال: إني أحب أن أسمعه من غيري, قال فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) سورة النساء الآية 41
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبك الآن فالتفت إليه فإذا عيناه الكريمتان تذرفان بالدموع صلى الله عليه وسلم
ونجد من هذه المواقف أن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وهو مربي البشرية، يضع لنا الأسس التي نربي عليها الأبناء في المراحل العمرية المختلفة.
• المرحلة الأولى"المداعبة": وهي من سن عامين إلى سبع سنوات : فنحن نجد العديد والعديد من الأبحاث العلمية الحديثة في مجال التربية تدعو الآباء لمداعبة الأبناء في الصغر، واللعب معهم، لما في ذلك من تواصل بين الآباء والأبناء، ولا يخفى علينا أن هذه المرحلة هي الأساس لأبنائنا فإذا بنينا أساسا قويا بيننا وبينهم، أساس مبنيا علي المداعبة والحب والرحمة والألفة، سوف نكون بنينا الجسر الذي يربطنا بهم للمرحلة الثانية وسوف يكونون على شيء من الاستعداد لتقبل تربيتنا لهم في المرحلة القادمة ألا وهي التأديب، وأيضا تكون هذه المرحلة مرحلة البداية الجادة لتعليم الدين الإسلامي الحنيف.
• المرحلة الثانية "التأديب" : وهي من سن العاشرة وحتى الخامسة عشر : من التعاليم السماوية لنا في هذه المرحلة ، تعليم الصلاة وهم أبناء سبع سنوات، أي مرحلة بداية التهذيب والتربية ، كما أن هذه المرحلة نجد بها بداية التغيرات الجسمية للأبناء بصفاتها المختلفة ، من بداية الأنوثة والرجولة، وبداية تدبر الأبناء لما حولهم بصورة أوسع حيث تكون بداية الانضمام للعالم الخارجي من مدرسة وأصدقاء وجيران. لذلك أرشدنا الحديث لنقطة البداية لهذه المرحلة ومدى خطورتها على الأبناء ولكيفية التعامل معها، وذلك عن طريق أسلوب التهذيب والتأديب.
• المرحلة الثالثة "مرحلة الصداقة": وهي ما بعد الخامسة عشر : أما في هذه المرحلة وبعد أن نكون أخلصنا في أداء المرحلتين السابقتين تأتي هذه المرحلة لتقوية الصلة بيننا وبينهم بأسلوب جديد مبني علي الحب وعدم الخوف من اللوم أو العتاب من الآباء للأبناء، كيفما يفعل الأصدقاء معا، فهي مجرد توجيه للنصيحة بأسلوب راقٍ يشمل الود والعطف، يعطي من خلاله الأب للابن الثقة و أنه أصبح رجلا يستطيع الاعتماد علي نفسه في مواجهة الحياة، من خلال الإرشادات البسيطة وليست التعليمات من الأب المطلوب على الابن تنفيذها، وبذلك يكون الأب أعطى للابن مفتاح احترام الذات.
فحينما ينجح الآباء في هذه المرحلة، سوف يجدون الأبناء يرجعون إليهم في المستقبل لمشورتهم والأخذ برأيهم، وسوف يجعلون الآباء أصدقاء حقيقيين لهم .
دعوة للآباء: فإنني أدعو الآباء في هذا العصر للتدبر في هذا الحديث مرارا, حتى يفوزوا بأبنائهم في المستقبل, ويجعلونهم يعودون لهم بكل جوارحهم وليس بجسدهم فقط، ويجب أن نعلم أن أبناءنا خلقوا لزمن غير زمننا, فهم أيضا لديهم تجارب وأفكار يودون تطبيقها, ويحتاجون لخبرة الآباء ومشورتهم, ولا يوجد شيء على وجه الأرض أفضل للابن من نصيحة خالصة من القلب, ولن يجد هذه النصيحة إلا من والديه.